إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
212663 مشاهدة
باب إحياء الموات


[ باب: إحياء الموات ] وهي الأرض البائرة التي لا يعلم لها مالك.
فمن أحياها بحائط، أو حفر بئر، أو إجراء ماء إليها، أو منع ما لا تزرع معه: ملكها بجميع ما فيها، إلا المعادن الظاهرة؛ لحديث ابن عمر من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها رواه البخاري .


[ باب: إحياء الموات ]
أولا: الإحياء:
قوله: (وهي الأرض البائرة التي لا يعلم لها مالك، فمن أحياها بحائط، أو حفر بئر... الخ):
عرف الإحياء هنا: بأنها الأرض البائرة التي لا يعلم لها مالك، وعرفها في زاد المستقنع: أنها الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم، وتسمى الأرض البور التي لا ملك فيها لأحد، وذلك إذا أتيت إلى أرض بائرة ليس فيها علامة ملك لأحد، وليس فيها آثار امتلاك، وليس أحد قبلك قد سبق أنه ملكها فتمتلكها بالإحياء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضا ميتة فهي له وصفها بأنها ميتة، أي: ليس فيها علامة ملك أرض، فهي أرض موات، فمن أحياها ملكها.
فإن قيل: بأي شيء يكون الإحياء؟ فيقال:
أولا: إحياؤها بحائط: يعني: إذا أحاط عليها حائطا يمنع من الدواب، أو يستر الواقف إذا وقف في داخله؛ فإن هذا يعتبر تملكا.
ثانيا: إحياؤها بحفر بئر: يعني: حفر بها بئرا، لكن البئر لا يملك إلا حريمها يعني: حماها، فالجديدة حريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب، فإن كانت بئرا قديمة أثرية ولكن لا يعرف لها مالك فحريمها خمسون ذراعا من كل جانب، هذا إذا كانت بئرا لأجل الشرب أو لأجل السقي أو لأجل ملك البقعة، أما إذا كانت لأجل الزرع؛ فذكروا أن حريمها ثلاثمائة ذراع من كل جانب، والذراع الأصل أنه ذراع اليد، ولكنهم قدروه بأربع وخمسين سنتيمتر، يعني: أكثر من نصف المتر بقليل، فهذا نوع من إحيائها، وهو إحياؤها بحفر الآبار.
ثالثا: إحياؤها بالسقي: وليس السقي أن يسقيها بماء المطر، فالذي يحرث- مثلا - أرضا فيبذرها وينزل المطر عليها وينبت زرعه، هذا لا يملكها؛ لأن هذا المطر من الله ليس من جهده، وكونه مثلا بذر وحرث لا يملكها، فلو جاء غيره في السنة الآتية وبذر فيها، فهو أحق ببذره، ولكن مثل هذا يملك الأرض إذا أجرى الماء على وجه الأرض في السواقي، ثم سقى به الأرض، وذلك لأنه تعب في إيصال الماء إليها.
رابعا: إحياؤها بمنع ما لا تزرع معه: مثل أن يجد فيها مستنقعات من امتداد البحار أو الأنهار التي تجري ولا أحد ينتفع بها، فحجز بينها وبين البحر أو بينها وبين النهر حتى حسر الماء عنها؛ فيملكها بذلك لأنه تعب في حبس الماء عنها. وكذلك لو وجدها أرضا جبلية لا ينتفع بها؛ فأزال الحجارة التي فيها وسواها وتعب في تسويتها، وإن كان قديما قد لا يستطاع ذلك، ولكن حديثا بعد ظهور هذه الآلات الحافرة والتي يزال بها الجبال الصخرية، ثم بعد إصلاحها يبني فيها، أو يحرث فيها، أو نحو ذلك؛ فإنه يملكها.
فهذه أربعة: بناء الحائط، وحفر البئر، وإيصال الماء إليها، وحبس الماء المستنقع عنها، أو الإصلاح أو ما أشبه ذلك، فإنه بذلك يملكها بجميع ما فيها إلا المعادن، فالمعادن الظاهرة لا يملكها؛ فإذا كان فيها مثلا ملح معدن ينتفع الناس به ويأخذون منه؛ فلا يملكه، وكذلك لو كان فيها معدن جص الذي تبيض به الحيطان؛ فلا يملكه، أو كان فيها معادن نفط أو نحوه فلا يملكه؛ لأن هذه معادن عامة يأخذ كل منها حاجته.
وهكذا جميع المعادن التي توجد في داخل الأرض، معدن نحاس أو صفر أو حديد، أو ما أشبه ذلك، هذه المعادن لا تملك بالإحياء، بل هي عامة للمسلمين.
أما لو ظهر في أرضه معدن، كأن تكون أرض له قد أحاطها واحتاط عليها وملكها وحفر فيها؛ فوجد فيها معدنا حتى ولو كان نفيسا كذهب أو فضة أو جوهر أو نحو ذلك؛ فإنه يملكه لأنه في أرضه الخاصة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها هذا الحديث عام في أنواع الإحياء الذي ذكرنا بالحفر أو بالحيطان أو ما أشبه ذلك، هذا هو النوع الأول من الإحياء، وهو الإحياء المعروف.